4 هزائم متتالية، والمركز الرابع في جدول الدوري الإنجليزي الممتاز "بريميرليج"، وبفارق 4 نقاط عن المتصدر آرسنال.. وضع لم يكن يتوقعه أحد في ليفربول.
فالفريق الذي فرض هيمنته على الجميع في الموسم الماضي من الدوري الإنجليزي، أصبح فجأة هشًّا دفاعيًا، باهتًا في خط الوسط، وعاجزًا على المستوى الهجومي.
وبعد بداية قوية للموسم، خسر حامل لقب البريميرليج أمام كل من: كريستيال بالاس، وجالطة سراي، وتشيلسي، ومانشستر يونايتد على التوالي، علمًا بأن مباراة الفريق التركي جاءت في دوري أبطال أوروبا، بينما جاءت المباريات الثلاث الأخرى في المسابقة المحلية.
وما يزيد الطين بلّة أن المدرب الهولندي آرني سلوت، رغم إنفاقه نحو 450 مليون جنيه إسترليني على صفقات جديدة، لا يبدو حتى الآن واثقًا من تشكيلته الأساسية المثالية.
في الخسارة الأخيرة أمام مانشستر يونايتد بنتيجة 2-1 على ملعب "أنفيلد"، جلس على الدكة كل من الوافدين الجدد فلوريان فيرتز، وهوجو إيكيتيكي، وجيرمي فريمبونج، الذين كلفوا خزينة النادي مجتمعين 214.5 مليون جنيه إسترليني.
وقال المدافع السابق لليفربول ستيفن وورنُك عبر "بي بي سي": "سلوت يعيش معضلة حقيقية في كيفية توظيف هؤلاء اللاعبين. ليس السعر أو الاسم هو ما يحدد إن كان اللاعب مناسبًا للفريق. نحن نرى ذلك أيضًا مع توماس توخيل في إنجلترا."
وقبل مباراته ضد آينتراخت فرانكفورت في الجولة الثالثة من الدور الأول بدوري أبطال أوروبا، هناك أسئلة مهمة على سلوت إيجاد إجابات حاسمة لها إذا أراد تجنب "كارثة" خسارة خامسة على التوالي، ما سيمثل رقمًا سلبيًا يحدث لأول مرة منذ 1953.
مَن ينقذ الهجوم.. إيزاك أم إيكيتيكي؟
حين تعاقد ليفربول مع المهاجم السويدي ألكسندر إيزاك في صفقة قياسية بلغت 125 مليون جنيه إسترليني، ارتفعت سقوف التوقعات إلى أقصاها، لكن بداية اللاعب في "أنفيلد" لم تكن سهلة، إذ عانى من تأخر انضمامه بسبب مفاوضات طويلة مع نيوكاسل، ما حرمه من المشاركة في فترة الإعداد الصيفي، فظهر يفتقر إلى الجاهزية البدنية.
خاض إيزاك 7 مباريات حتى الآن، اكتفى خلالها بتسجيل هدف وحيد جاء في كأس الرابطة، في المقابل، كان زميله الفرنسي هوجو إيكيتيكي أكثر انطلاقًا، إذ سجل 5 أهداف في أول 8 مباريات له.
لكن مسيرته توقفت فجأة بعد أن حصل على بطاقة حمراء "ساذجة" إثر احتفاله بخلع القميص عقب تسجيله هدف الفوز على ساوثهامبتون في كأس الرابطة، في تصرف وصفه سلوت بأنه "خطأ غبي".
منذ ذلك الحين، فضّل المدرب الهولندي الاعتماد على إيزاك كمهاجم صريح، بينما جلس إيكيتيكي احتياطيًا، ولم ينجح في التأثير عند مشاركته من على الدكة.
ورغم تمسك سلوت بإيزاك، إلا أن أرقامه أمام مانشستر يونايتد كانت محبطة، إذ لمس الكرة 19 مرة فقط خلال 71 دقيقة، بينما لمّس بديله الإيطالي فيدريكو كييزا الكرة 23 مرة وقدّم تمريرة حاسمة لهدف التعادل.
ووفقًا للإحصاءات، شارك إيزاك في 7 مباريات فقط، مقابل 11 مباراة خاضها إيكيتيكي، ما يفسر جزئيًا الفارق في عدد الدقائق التي لعبها كل منهما؛ إذ خاض السويدي 384 دقيقة فقط، بينما شارك المهاجم الفرنسي في 626 دقيقة، أي ما يقارب ضعف عدد دقائق زميله.
على صعيد الفاعلية التهديفية، تفوق إيكيتيكي بوضوح بعدما سجل 5 أهداف، مقابل هدف وحيد فقط لإيزاك، وهو رقم يعكس مدى تأثيره في الهجوم خلال الدقائق التي أتيحت له. أما في صناعة اللعب، فقد تساوى اللاعبان بواقع تمريرة حاسمة واحدة لكل منهما.
وفيما يتعلق بالنشاط الهجومي العام، فقد سدد إيكيتيكي 23 كرة نحو المرمى مقابل 11 تسديدة فقط لإيزاك، منها 7 تسديدات على المرمى للفرنسي مقابل 5 للسويدي. كذلك، تفوق إيكيتيكي في صناعة الفرص بعد أن خلق 4 فرص محققة مقارنةً بـ 3 فرص فقط لإيزاك.
ويبقى التساؤل: هل يواصل سلوت ثقته في إيزاك؟ أم يمنح إيكيتيكي فرصة جديدة؟ أم أن الحل هو الاعتماد عليهما معًا في شكل جديد للخط الأمامي؟
فيرتز.. موهبة ألمانية تائهة في زحمة أنفيلد
من بين الصفقات الكبرى هذا الصيف، كانت صفقة فلوريان فيرتز (116 مليون جنيه إسترليني من باير ليفركوزن) من أكثرها جذبًا للأنظار.
ورغم أنه خاض فترة إعداد كاملة مع الفريق، إلا أن اللاعب الألماني لم يسجل أي هدف بعد بقميص ليفربول، واكتفى بتمريرة حاسمة واحدة في مباراة "الدرع الخيرية" ضد كريستال بالاس.
في الموسم الماضي مع ليفركوزن، أحرز فيرتز 10 أهداف وصنع 14 في البوندسليجا، وكان يُوظَّف غالبًا على الجهة اليسرى، حيث يُسمح له بالتوغل إلى الداخل والمراوغة بحرية في أسلوب تشابي ألونسو الهجومي.
أما في ليفربول، فقد قرر سلوت توظيفه في مركز صانع الألعاب خلف المهاجمين، ما أثر على توازن الوسط الذي يضم جرافنبرخ، ماك أليستر، وسوبوسلاي، ثلاثي لعب 22 مباراة أساسيًا الموسم الماضي في طريق التتويج بالدوري.
وربما لم يتأقلم فيرتز بعد مع النسق البدني العالي للدوري الإنجليزي، وهو ما دفع سلوت للعودة إلى ثلاثي الوسط القديم.
لكن رغم جلوسه على مقاعد البدلاء، تظل أرقامه مثيرة للإعجاب، إذ يصنع فرصًا أكثر من أي لاعب آخر في الدوري (لكل 90 دقيقة بين من لعبوا أكثر من 200 دقيقة).
فهل يمنحه سلوت الثقة مجددًا ليقود صناعة اللعب ويمنح زملاءه فرصًا أكثر أمام المرمى؟
أزمة الظهيرين.. مَن يسد فراغ أرنولد؟
منذ رحيل ترينت ألكسندر أرنولد إلى ريال مدريد، خسر ليفربول أحد أهم مصادره الهجومية. فأرنولد سجّل 23 هدفًا وصنع 92 تمريرة حاسمة في 354 مباراة بقميص الريدز، وغيابه ترك فراغًا واضحًا في الجهة اليمنى.
توقع كثيرون أن يكون الهولندي جيرمي فريمبونج هو البديل الأول بعد انضمامه مقابل 29.5 مليون جنيه إسترليني، لكن سلوت تناوب في إشراكه مع كونور برادلي وأحيانًا دومينيك سوبوسلاي في هذا المركز.
وأصبحت الجهة اليمنى مصدر قلق دفاعي واضح، إذ جاءت 38.1% من الهجمات على ليفربول من هذا الجانب. كلٌّ من فريمبونج وبرادلي يميل إلى التقدم للأمام، ما يترك خلفهما مساحات يستغلها الخصوم، خاصة في ظل عدم عودة صلاح للمساندة الدفاعية.
في مباراة تشيلسي، جاء هدف الفوز بعد ضغط من هذا الجانب، كما كان سوبوسلاي نفسه مسؤولًا عن فقدان الرقابة على ماتيوس كونيا، ما أدى إلى ركنية نتج عنها هدف مانشستر يونايتد الثاني.
من جانبه، قال المهاجم السابق كريس ساتون: "مركز الظهير الأيمن في ليفربول أصبح فوضويًا. فريمبونج لا يبدو مدافعًا حقيقيًا، وسوبوسلاي هو أفضل لاعب وسط، فلماذا يتم التضحية به في الدفاع؟ هذا جنون."
أما وورنُك، فقال: "كان من الواضح أن برادلي سيكون الخيار الأول، لكنه لا يتمتع بالثبات الكافي. الآن فقط يدرك الناس مدى جودة أرنولد واستقراره. فريمبونج جُلب كخيار متعدد الاستخدامات، وليس كمدافع صريح."
وفي الجهة الأخرى، تم تهميش أندي روبرتسون بعد التعاقد مع المجري ميلوس كيركِز من بورنموث مقابل 40 مليون جنيه إسترليني، لكن أداء الأخير الدفاعي لم يكن مقنعًا، إذ يُسحب كثيرًا خارج موقعه، ما يترك فان دايك مكشوفًا في مواجهة المرتدات.
ويتساءل كثيرون: هل يستحق روبرتسون فرصة جديدة؟ ومن الأنسب لشغل الجهة اليمنى؟
كيف تعود صلابة الدفاع؟
مشاكل ليفربول الدفاعية لا تتعلق بالأطراف فقط، بل تمتد إلى قلب الدفاع، حيث فان دايك وإبراهيما كوناتي بديا أكثر هشاشة من المعتاد، فالفريق أصبح أكثر عرضة للكرات الطولية والمرتدات السريعة، وهو ما تجلّى في ارتفاع عدد الأهداف المستقبلة.
في هذه المرحلة من الموسم الماضي، كان ليفربول قد استقبل 3 أهداف فقط في الدوري الإنجليزي، بينما ارتفع العدد الآن إلى 11 هدفًا، أكثر بخمسة من فريق صاعد حديثًا مثل سندرلاند.
كما لم يخرج الفريق بشباك نظيفة سوى مرتين فقط، وأصبح الدفاع في الكرات الثابتة نقطة ضعف واضحة، بعد أن تلقى 5 أهداف من الركلات الثابتة، أكثر من معظم فرق القمة.
النتائج الفردية أيضًا كانت مؤثرة، إذ ارتكب كوناتي أخطاء مباشرة في هدفي بورنموث خلال المباراة الافتتاحية، بينما تم سحب فان دايك خارج موقعه تمامًا في الهدف الأول لمانشستر يونايتد.
ويبقى التحدي الأكبر أمام سلوت هو: كيف يمكنه إعادة الصلابة الدفاعية إلى الفريق قبل أن تتفاقم الأزمة وتكلّفه مزيدًا من النقاط والأهداف؟
هل استبعاد صلاح هو الحل المثالي؟
على مدى 8 مواسم، كان المصري محمد صلاح هو النجم الأبرز في ليفربول ورمزه الهجومي الأهم، لكن بعد موسمٍ استثنائي سجل خلاله 29 هدفًا في 38 مباراة بالدوري، يبدو أن أداءه هذا الموسم يشهد تراجعًا مقلقًا.
فصلاح لم يسجل أي هدف في الدوري منذ 14 سبتمبر/ أيلول، عندما أحرز ركلة جزاء في الوقت القاتل أمام بيرنلي (1-0)، كما لم يسجل أي هدف من اللعب المفتوح منذ الجولة الأولى أمام بورنموث.
مرت 7 مباريات متتالية دون أن يسجل صلاح ولو هدف واحد من اللعب المفتوح في الدوري الإنجليزي، وهو أمر يحدث لأول مرة منذ انضمام النجم المصري إلى قلعة أنفيلد.
الفرصة السهلة التي أهدرها صلاح أمام المرمى بعدما تلقى كرة عرضية داخل منطقة الجزاء في مباراة مانشستر يونايتد الأخيرة اختصرت معاناته، إذ بدا عليه فقدان الثقة في مواجهة المدافعين، بعد أن مثّل لهم مصدر رعب بسرعته وانطلاقاته، خصوصًا في مباراة ديربي إنجلترا.
اللعب البطيء في بناء الهجمة لا يخدم صلاح كثيرًا، إذ يفضل دائمًا الهجمات السريعة والمواجهات المباشرة مع المدافعين بدلاً من اللعب وظهره للمرمى.
في المقابل، وجه النجم الإنجليزي السابق واين روني انتقادًا لسلوك صلاح في الآونة الأخيرة، معتبرًا أن جهده الدفاعي تراجع، ومع انخفاض معدله التهديفي، أصبحت الجماهير أكثر انتقادًا لتقصيره في العودة للمساندة الدفاعية.
وأظهرت إحصاءات نشرتها هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" تراجعًا واضحًا في أرقام محمد صلاح بين الموسم الماضي والحالي في جميع المسابقات، وهو ما يعكس انخفاض تأثيره الهجومي مع ليفربول مقارنةً بما كان عليه في المواسم السابقة.
فقد انخفض معدل الأهداف لكل 90 دقيقة من 0.68 هدف في الموسم الماضي إلى 0.29 فقط هذا الموسم، وهو تراجع حاد يُبرز تراجع معدل تسجيله إلى أقل من النصف تقريبًا.
كما تراجع أيضًا مؤشر الأهداف المتوقعة لكل 90 دقيقة (xG) من 0.63 إلى 0.33، مما يشير إلى أن صلاح لا يحصل على نفس عدد الفرص عالية الجودة التي كان يصنعها أو يستغلها سابقًا.
أما على مستوى الأهداف من اللعب المفتوح، فانخفضت من 0.46 هدف في المباراة الواحدة إلى 0.20 فقط، ما يؤكد أن خطورته في التحركات داخل الصندوق قلت بشكل ملحوظ.
وانعكس هذا التراجع كذلك في أرقامه الفنية، حيث انخفض عدد التسديدات الإجمالية من 3.4 إلى 2.2 في كل مباراة، في حين تراجعت التسديدات على المرمى من 1.5 إلى 1.0 فقط، وهو ما يعكس تراجعًا في حضوره الهجومي داخل منطقة الجزاء.
كما انخفض معدل المراوغات الناجحة من 1.4 إلى 0.3، ما يدل على أنه بات أقل اعتمادًا على المجهود الفردي في تجاوز المنافسين.
ولم يكن هذا التراجع بعيدًا عن نشاطه داخل منطقة العمليات، إذ تراجع معدل اللمسات داخل منطقة الجزاء من 10 لمسات إلى 6 لمسات فقط في المباراة الواحدة.
ورغم كل ذلك، يبقى السؤال: هل استبعاد صلاح هو الحل المثالي؟، وهل يمتلك سلوت أصلًا الجرأة لإبعاد النجم الذي أنقذ ليفربول في أكثر من مناسبة عبر السنوات الماضية؟